الحكاية 9
خُــوليا والكريسماس
في يوم 25 ديسمبر عام 2010
دخلت طالبة جديدة، وفي يدها حقيبة سفرها، لقد وصلت من المطار إلى المركز مباشرة، وهي في المستوى التمهيدي (0)
وتحمل براءة غريبة في وجهها، لكن العيون زائغة حائرة، تشعر فيها بذعر أو بحزن، تحاول أن تخفيه بابتسامة طفولية رائعة
الطالبة لا تعرف أي شيء عن العربية، لا مشكلة، فهذا المستوى التمهيدي، لكن المشكلة أن شهرزاد شعرت بالقلق من أجلها، فكيف تساعدها؟، وبدأ حوار التعارف
شهرزاد: اسمي شهرزاد ، ما اسمك؟
الطالبة : اسمي خوليا
شهرزاد : أنا من مصر، من أين أنتِ؟
هي: من أسبانيا
شهرزاد: هل تعملين؟
خوليا: أنا أستاذ في الجامعة، متخصصة في التربية الخاصة لذوي الحالات الخاصة
تزداد عيون خوليا اضطرابًا، وتحاول جاهدة أن تبتسم، لكن الخوف المُسيطِر عليها يحُول دُون جمال ابتسامتها
وأخيرًا رنّ هاتف خوليا، فاستأذَنَتْ للردّ لأنّ المكالمةَ من أسبانيا، وبمجرد الردّ أخذت في البكاء، وتتكلم بالأسبانية، وشهرزاد لا تفهم شيئًا، وخرجت من الفصل تضرب رأسها في الحائط، ماذا تفعل من أجلها، وهذا أول لقاء بينهما ولا يمكن أن تسألها بسهولة عن المشكلة،
دخلت الفصل مرةً أخرى، وبدأ الدرس، وبعد قليل رنّ هاتف خوليا مرة أخرى وأذِنَت لها شهرزاد بالردّ لعلّ هذه المكالمات تخفِّف عنها ما هي فيه
والحمد لله لقد تكلمت بالانجليزية هذه المرة
- قالت خوليا في الهاتف: أنا حزينة لأسباب ثلاثة:
- الأول: أن هذا أول يوم لي في بلد عربي مسلم، يعني إرهاب،
- الثاني : أن اليوم هو الكريسماس
- الثالث : أنني بمفردي، وأشعر بخوف، لذلك أنا حجزت بالانترنت فندق قريب من المركز حتى لا أركب أية مواصلات ولا أتعامل مع الناس لأكون في أمان.
وانتهت المكالمة وأكملت الدرس
وفي فترة الاستراحة نزلت شهرزاد واشترت شمعدان بثلاث شمعات صغير ، وعلبة حلوى، وقالت للمديرة خذي هذه الحلوى وقدميها لخوليا وأنا سأقدم لها الشمعدان هدية
قالت أستاذة: لماذا؟ هي ما زالت جديدة ، هذا أول يوم لها هنا، فعَلَى أي شيء نقدم هدية؟
شهرزاد: يشهد الله أنني أقدم لها الهدية لإدخال الأمن والأمان على قلب إنسانة تشعر بالخوف من هذا البلد العربي المسلم
الأستاذة: وماذا نقول لها؟
شهرزاد: نقول لها كل عام وأنت بخير.
ودار حوار بين شدِّ وجذب بين الأستاذتين انتهى إلى قول شهرزاد:استفتَيْتُ قلبي و أنا سأقدم لها الهدايا وأقول لها هذه الهدايا لك أنتِ، وكل عام وأنتِ بخير
المشكلة أنها لن تفهم بالعربية لأنها ما زالت لا تعرف حتى الألف من الباء
إذن: نقول لها هذه المرة : Happy new year .
قامت المديرة بأخذ علبة الحلوى وأمامها شهرزاد
وفتحوا الفصل ووجدوها تبكي بمفردها، فقالت المديرة : Happy new year
وقالت شهرزاد ببطء شديد: كل عام وأنتِ بخير، وتشير إلى خوليا ، أنتِ أنتِ
خوليا: لمَنْ هذه الهدايا؟
المديرة وشهرزاد في صوت واحد: لكِ أنتِ
خوليا: لي أنا ؟ لماذا؟
شهرزاد: لأن هذا أول يوم لك في مصر ، وأنت وحيدة بمفردك، ونحن نقول السلام عليكم، فالسلام عليك يا خوليا، ولا تخافي أنتِ هنا بين أسرتك، أنا أمُّك ، وهذه أختك، ومصر هي بلد الأمان.
بكت بشدة لكن بعيون سعيدة واحْتَضَنَتْ شهرزاد بكل الحب
وقالت: أنا آسفة جدا جدا . وكرَّرتها
شهرزاد: لماذا أنتِ آسفة؟ أنت لم تفعلي شيئًا لتعتذري
خوليا: آسفة لشيء في نفسي وفي رأسي، لا تهتمي يا أستاذة المهم أنني آسفة وفقط
وكانت خوليا تدرس ست ساعات في اليوم، وكل يوم
وخرجت معها شهرزاد إلى الشارع، وركبت معه المترو لترى الناس وهم يبتسمون لها، تحيةً وسلامًا
وأول جملة تعلَّمَتْها خوليا : أنا بحير الخمد لله ( إبدال حرف الحاء والخاء)، و كل عام وأنتم بخير
اتصلت بها صديقتها الأسبانية وقالت لها إن في الاسكندرية أسرة مسلمة تريد استضافة خوليا في رأس السنة، فقالت لشهرزاد: ما رأيك يا أستاذة؟
- شهرزاد: آآآآآآآآآه أسرة مسلمة؟ ألا تخافين من المسلمين؟
- خوليا: لا يا أمي أنا -من قبل- في أسباني كنت أتجنَّب معرفة المسلمين، لكن في أيام قليلة معك أصبحت أتمنى صداقتهم،
وسافرت خوليا للاسكندرية في ضيافة الأسرة المسلمة، واتصلت بها شهرزاد لتطمئن عليها، فقالت: أنا سعيدة جدا جدا يا أستاذة مقابلتهم لي كانت ممتازة، وهم مسلمون جيدون حقًا
ولكن في رأس السنة حدث انفجار كنيسة القديسين في الاسكندرية،
فهرعت شهرزاد للاتصال بابنتها الأسبانية
وهنا أدرك شهرزاد الصباح
وستكمل في الليلة الجاية حكاية خوليا الأسبانية